سورة الفتح - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفتح)


        


{سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ} يعني هؤلاء الذين تخلفوا عن الحديبية، {إِذَا انْطَلَقْتُمْ} سرتم وذهبتم أيها المؤمنون، {إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا} يعني غنائم خيبر، {ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ} إلى خيبر لنشهد معكم قتال أهلها، وذلك أنهم لما انصرفوا من الحديبية وعدهم الله فتح خيبر وجعل غنائمها لمن شهد الحديبية خاصة عوضًا عن غنائم أهل مكة إذا انصرفوا عنهم على صلح ولم يصيبوا منهم شيئًا.
قال الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} قرأ حمزة والكسائي: {كلم الله} بغير ألف جمع كلمة، وقرأ الآخرون: {كلام الله}، يريدون أن يغيروا مواعيد الله تعالى لأهل الحديبية بغنيمة خيبر خاصة.
وقال مقاتل: يعني أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا يسير منهم أحد.
وقال ابن زيد: هو قول الله عز وجل: {فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدًا} [التوبة- 83]، والأول أصوب، وعليه عامة أهل التأويل.
{قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا} إلى خيبر، {كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ} أي من قبل مرجعنا إليكم أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب، {فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا} أي يمنعكم الحسد من أن نصيب معكم الغنائم، {بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ} لا يعلمون عن الله ما لهم وعليهم من الدين، {إِلا قَلِيلا} منهم وهو من صدق الله والرسول.
{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} قال ابن عباس، ومجاهد، وعطاء: هم أهل فارس. وقال كعب: هم الروم، وقال الحسن: فارس والروم. وقال سعيد بن جبير: هوازن وثقيف. وقال قتادة: هوازن وغطفان يوم حنين. وقال الزهري، ومقاتل، وجماعة: هم بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة الكذاب.
قال رافع بن خديج: كنا نقرأ هذه الآية ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة، فعلمنا أنهم هم.
وقال ابن جريج: دعاهم عمر رضي الله عنه إلى قتال فارس.
وقال أبو هريرة: لم تأت هذه الآية بعد.
{تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا} يعني الجنة، {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا} تعرضوا {كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ} عام الحديبية، {يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} وهو النار، فلما نزلت هذه الآية قال أهل الزمانة: كيف بنا يا رسول الله؟.


فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ} يعني في التخلف عن الجهاد، {وَلا عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا} قرأ أهل المدينة والشام {ندخله} و{نعذبه} بالنون فيهما، وقرأ الآخرون بالياء لقوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ}.


{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ} بالحديبية على أن يناجزوا قريشًا ولا يفروا، {تَحْتَ الشَّجَرَةِ} وكانت سمرة، قال سعيد بن المسيب: حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، قال: فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها.
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة، فقال: أين كانت؟ فجعل بعضهم يقول: هاهنا، وبعضهم: هاهنا، فلما كثر اختلافهم قال: سيروا، قد ذهبت الشجرة.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان قال عمرو: سمعت جابر بن عبد الله قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: «أنتم خير أهل الأرض»، وكنا ألفًا وأربع مائة، ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة.
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، عن مسلم بن الحجاج، حدثنا محمد بن حاتم، حدثنا حجاج، عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرًا يسأل: كم كانوا يوم الحديبية؟ قال: كنا أربع عشرة مائة فبايعناه، وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة، فبايعناه غير جد بن قيس الأنصاري أختبأ تحت بطن بعيره.
وروى سالم عن جابر قال: كنا خمس عشرة مائة.
وقال عبد الله بن أبي أوفى: كان أصحاب الشجرة ألفًا وثلاثمائة، وكانت أسلم ثُمْنَ المهاجرين.
وكان سبب هذه البيعة- على ما ذكره محمد بن إسحاق عن أهل العلم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أبي أمية الخزاعي حين نزل الحديبية، فبعثه إلى قريش بمكة وحمله على جمل له، يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له، فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله فمنعته الأحابيش، فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة، فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشًا على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكن أدلك على رجل هو أعز بها مني: عثمان بن عفان، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وإنما جاء زائرًا لهذا البيت معظمًا لحرمته، فخرج عثمان إلى مكة، فلقيه أبان بن سعد بن العاص حين دخل مكة، أو قبل أن يدخلها، فنزل عن دابته وحمله بين يديه، ثم أردفه وأجاره حتى بَلَّغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عظماء قريش لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به، قال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نبرح حتى نناجز القوم»، ودعا الناس إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة.
وكان الناس يقولون: بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، قال بكر بن الأشج: بايعوه على الموت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل على ما استطعتم».
وقال جابر بن عبد الله ومعقل بن يسار: لم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على أنْ لا نفر، فكان أول من بايع بيعة الرضوان رجلا من بني أسد يقال له أبو سنان بن وهب، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها إلا جد بن قيس أخو بني سلمة، قال جابر: لكأني أنظر إليه لاصقًا بإبط ناقته مستترًا بها من الناس، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي ذُكر من أمر عثمان باطل.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه، حدثنا علي بن أحمد بن نضرويه، حدثنا أبو عمران موسى بن سهل بن عبد الحميد الجوني، حدثنا محمد بن رمح، حدثنا الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة».
قوله عز وجل: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} من الصدق والوفاء، {فَأَنزلَ السَّكِينَةَ} الطمأنينة والرضا، {عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} يعني فتح خيبر.

1 | 2 | 3 | 4 | 5